فصل: مطلب المراد بالصلاة والزكاة ومما تأخر حكمه عن نزوله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب المراد بالصلاة والزكاة ومما تأخر حكمه عن نزوله:

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تزكى 14} تطهر من الشرك ونظف ثوبه وبدنه ومكانه {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} وحده ولم يشرك معه غيره {فصلى 15} له مطلق صلاة ولو دعاء لأن الصلاة في اللغة الدعاء قال أكثر المفسرين إن المراد بالزكاة هنا زكاة الفطر وبالصلاة صلاة العيد.
وعليه فيكون المعنى قد أفلح من زكى عمله وصيامه بزكاة الفطر وخرج يكبر إلى مصلّى العيد فصلى صلاته أو الصلاة المفروضة عليه وقال هذا الزركشي في البرهان ورواه عن ابن عمر، ولكنه لا يصح إلا أن يقال بأن هذه الآية مما تأخر حكمه عن نزوله أي مما تقدم القول فيها على الحكم لأنها مكية وليس بمكة صلاة عيد ولا زكاة فطر لوجوبها في المدينة ولأن الصلاة المفروضة وان كانت فرضت بمكة إلا أنها لم تفرض بعد، وعليه فتكون من قبيل الإخباربالغيب أي بأنه سيكون ذلك لسابق علم اللّه به وأمثال هذا في القرآن كثير منها {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ} الآية الثانية من سورة البلد الآتية فهذه مكية ظهر أثرها يوم الفتح حتى قال عليه السلام: «أحلت لي ساعة من نهار» ومنها قوله: {جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ} الآية 11 من سورة ص الآتية فقد وعده اللّه وهو بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين، وكذلك قوله جاء الحق {وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} الآية 49 من سورة سبأ فإنه ظهر مفعولها يوم الفتح أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال: دخل النبي مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: {جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً} الآية 81 من الإسراء الآتيه ويقول {وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} وكذلك قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} الآية 46 من سورة القمر الآتية فقد بان مفعولها يوم بدر حتى أن عمر بن الخطاب قال كنت لا أعلم أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وغير ذلك فيما يأتي، قال تعالى: {بَلْ تؤثرون} على العموم والإطلاق وهو إضراب عن مقدر ينساق الكلام اليه كأنه قيل بعد بيان الفلاح وجهته وطريقه الموصل إليه: انكم لا تفعلون ذلك ولا تميلون إليه بل تفضلون أيها الناس {الْحَياةَ الدنيا 16} الفآنية {و} الحال {الْآخِرَةُ خَيْرٌ وأبقى 17} لكم منها لأن نعيمها دائم والباقي خير من الفاني، قال عرفجة: كنا عند ابن مسعود نقرأ هذه الآية فقال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا علي الآخرة قلنا لا قال لأن الدنيا أحضرت وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها وان الآخرة زويت وتغيبت عنا فأحببنا العاجل وتركنا الآجل.
ومن المفسرين من خص هذه الآية بالمؤمنين وليس بشيء إذ لا قيد يقيدها، كما أن من قال إنها خاصة بالكفار على معنى أنهم لا يؤمنون بها على حد قوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدنيا وَاطْمَأَنُّوا بِها} الآية 7 من سورة يونس غير وجيه لأن المطلق يجب أن يبقى على إطلاقه حتى يقيد، كما أن العام يجب أن يبقى على عمومه حتى يخصص والآية المحتج بها مقيدة كما يفهم من ظاهرها لأن الذين لا يرجون الآخرة هم منكر والبعث، والذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا إليها قد صرفوا النظر عن الآخرة فيجوز أن يكونوا الكفار أيضًا، أما هذه الآية فليس فيها ما يحصرها على المؤمن والكافر فأجريناها على إطلاقها.

.مطلب ما في صحف إبراهيم وموسى والحكم الشرعي في العيد:

قال تعالى: {إِنَّ هذا} أي قد أفلح إلى هنا {لَفِي الصحف الأولى 18} التي نزلت قبل القرآن على الأنبياء والرسل ونظير هذه الآية الآيتان 36 و37 من سورة والنجم والآية 196 من الشعراء ثم أبدل من عموم الصحف الأولى {صُحُفِ إبراهيم وموسى 15} أي أن ذلك كله مذكور فيها وان جميع الشرائع متفقة على ما في صحفهما وما أنزل على غيرهما ممن تقدمهما داخل فيهما من حيث أصول الدين الثلاثة، راجع بحثها في المطلب الحادي عشر من المقدمة.
عن أبي ذر قال: «دخلت المسجد فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمسجد تحية، فقلت وما تحيته يا رسول اللّه؟ قال ركعتان» أراد صلى الله عليه وسلم مسجده الشريف وهكذا حكم المسجد الأقصى وسائر المساجد، أما المسجد الحرام فتحيته الطواف«قلت يا رسول اللّه هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال أبا ذر اقرأ {قد أفلح...} إلخ أي من هذه السورة، قلت يا رسول اللّه فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت كلها عبرا:
عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم يغضب، عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل»
.
أخرجه رزين في كتابه وذكره ابن الأثير في جامع الأصول.
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر قال: «قلت يا رسول اللّه كم أنزل اللّه من كتاب؟ قال مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
قلت يا رسول اللّه فما كانت صحف إبراهيم؟ قال أمثال كلها: أيها الملك المتسلط
على المبتلي المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عنّي دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر، على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات: ساعة يناجي بها ربه وساعة يحاسب بها نفسه ويتذكر ما صنع وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات واستجماما للقلوب وتفريغا لها، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فإن من حسب كلامه من عمله أقلّ من الكلام إلا فيما يعنيه»
.
على العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمّة هي شفة كل ذات ظلف، والشفة للإنسان فقط، والبرطام وجمعه براطم يطلق على الشفة الغليظة فقط. والمراد منها هنا ما يحتاجه الإنسان من القوت بدليل قوله لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم.
وقرئ {إبرهم} بلا الف وياء ويفتح الهاء وكسرها وقرئ {إبراهام} و{إبراهيم} وهو اسم أعجمي وقيل عربي مشتق من البرهمة وهي شدة النظر.

.مطلب في صلاة العيد والحكم الشرعي فيها:

صلاة العيد واجبة عند أبي حنيفة ويسن أن يقرأ فيها هذه السورة وسورة الغاشية وفي عيد النحر الضحى والكوثر للأحاديث لواردة فيها، ويسن التكبير من طلوع الفجر من يوم عرفة في عيد الأضحى إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد الخامس من عرفة وفي عيد الفطر من طلوع هلال شوال إلى أن يصعد الإمام المنبر للخطبة أو إلى قيام الصلاة وسنة عند الشافعي وأحمد ومالك رضي اللّه عنهم.
وزكاة الفطر واجبة.
ولها تفصيل في كتب الفقه فراجعها.
هذا ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة في القرآن.
هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.
وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الأعلى:
مكية.
{أحوى} تام.
{إلا ما شاء الله} حسن.
{وما يخفى} كاف وكذا {لليسرى}.
{الذكرى} حسن.
{ولا يحيى} تام.
{فصلى} كاف.
{الدنيا} صالح.
{خير وأبقى} أصلح منه.
آخر سورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الأعلى عزَّ وجل:
مكية.
تسع عشرة آية إجماعاً.
كلمها اثنتان وسبعون كلمة.
وحروفها مائتان وأحد وسبعون حرفاً.
{الأعلى} كاف. ورسموا الأعلا هنا بلام ألف كما ترى ويجوز في {الأعلى} الجر صفة لـ: {ربك} والنصب صفة لـ: {اسم} ولاوقف من قوله: {الذي خلق فسوى} إلى {أحوى} لاتصال الكلام بعضه ببعض.
{أحوى} تام. ومعنى {أحوى} أسود و{أحوى} حال من {المرعى} ولا يوقف على {فلا تنسى} للاستثناء.
{إلا ما شاء الله} كاف. وإن جعل {إلا ما شاء الله} مستثنى من {غثاء أحوى} فلا يوقف على {أحوى}.
{وما يخفى} تام.
لليسرى كاف. ويجوز {فذكر} ولا يجمع بينهما وإن بمعنى قد ثم يبتدئ {إن نفعت الذكرى} أي قد نفعت الذكرى ذكره ابن خالويه وهو غريب وليس بوقف إن جعلت شرطاً.
{الذكرى} كاف. ومثله {من يخشى}.
{الكبرى} جائز لأنَّ ثمَّ لترتيب الأخبار.
{ولا يحيى} تام.
{من تزكى} جائز.
{فصلى} تام.
{الدنيا} كاف.
{وأبقى} تام.
{الأولى} ليس بوقف لأنَّ قوله: {صحف إبراهيم وموسى} بدل من {الصحف الأولى}.
آخر السورة تام..اهـ.

.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال الدمياطي:

سورة الأعلى:
مكية وقيل مدنية.
وآيها تسع عشرة.
القراءات:
أمال رؤوس آيها غير الرائي حمزة والكسائي وخلف وقللها الأزرق وأبو عمرو بخلفه ومنها {فصلى} وحيث قللها الأزرق وجها واحدا يرقق لامها كذلك لما مر أن التغليظ والإمالة ضدان وأما الرائي وهو ثلاثة {لليسرى} {الذكرى} و{الكبرى} فأماله أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف والصوري عن ابن ذكوان وأهله في الأصل هنا وفي مواضع كثيرة مرت تركنا التنبيه عليها خوف الإطالة وقلله الأزرق.
واختلف في {قدر} الآية 3 فالكسائي وحده بتخفيف الدال من القدرة والباقون بتشديدها من القدر أو من التقدير والموازنة بين الأشياء قال الزمخشري قدر لكل حيوان ما يصلحه وعرفه وجه الانتفاع به.
واختلف في {بل تؤثرون} الآية 16 فأبو عمرو بالياء من تحت وافقه اليزيدي والباقون بالخطاب.
وأدغم لام {بل} في التاء حمزة والكسائي وهشام فيما عليه الجمهور.
واتفقوا على الياء في {إبراهيم} هنا وما انفرد به ابن مهران من إجراء الخلاف فيه لابن عامر وهم منه كما نص عليه في النشر. اهـ.

.قال عبد الفتاح القاضي:

سورة الأعلى:
{قدر} خفف الدال الكسائي وشددها غيره.
{سنقرئك} وقف عليه حمزة بتسهيل الهمزة بين بين وإبدالها ياء خالصة.
{ونيسرك} رقق راءه ورش.
{لليسرى} ضم السين أبو جعفر وأسكنها غيره.
{تؤثرون} قرأ أبو عمرو بياء الغيب وغيره بتاء الخطاب ولا يخفى من أبدله ومن حققه كما لا يخفى ترقيق رائه لورش. اهـ.

.فصل في حجة القراءات في السورة الكريمة:

.قال ابن خالويه:

ومن سورة الأعلى:
كل ما كان من أواخر آي هذه السورة فانه يقرأ بالامالة والتفخيم وبين ذلك وقد ذكرت علله فيما سلف.
قوله تعالى: {والذي قدر فهدى} يقرأ بالتشديد والتخفيف فالحجة لمن شدد قوله تعالى: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا} والحجة لمن خفف انه طابق بين اللفظين فجعل قدرك هدى وقيل معناه فهدى وأضل فحذف أضل للدلالة ولموافقة رؤوس الآي كما قال: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} يريد قعيدا وقيل قدر الذكر للأنثى وهداه لإتيانها.
قوله تعالى: {ويؤثرون} يقرأ بالياء والتاء وبالاظهار والادغام وقد ذكر ذلك فيما مضى واوضحت الحجة فيه بما يغنى عن إعادته ها هنا. اهـ.